نظام البكالوريا: عبء تعليمي ومجتمعي يحتاج إلى مراجعة بقلم الفقير. نادي عاطف

نظام البكالوريا: عبء تعليمي ومجتمعي يحتاج إلى مراجعة     بقلم الفقير. نادي عاطف

يمر التعليم في مصر بمرحلة حرجة تستدعي إعادة النظر في نظام البكالوريا (الثانوية العامة)، حيث تتراكم مشكلات عديدة تجعل هذا النظام عبئًا ماديًا ومعنويًا على الطلاب وأولياء الأمور، بالإضافة إلى تأثيراته السلبية على المجتمع ومستقبل الأجيال القادمة.

أولًا: العبء المادي والمعنوي للثلاث سنوات

تمديد المرحلة الثانوية إلى ثلاث سنوات يمثل ضغطًا هائلًا على الأسرة المصرية، سواء من حيث المصاريف الدراسية التي تشمل الدروس الخصوصية والمستلزمات التعليمية، أو من الناحية النفسية بسبب استمرار القلق والتوتر لعدة سنوات متتالية. هذا النظام يجعل التعليم الثانوي مرهقًا وطويل الأمد، مما يؤثر على الصحة النفسية للطلاب ويضعف من تركيزهم على الهدف التعليمي الحقيقي.

ثانيًا: تجاهل متطلبات سوق العمل

القرار بإقصاء اللغة الأجنبية الثانية والبرمجة وعلوم الحاسب من مجموع الدرجات يعد خطأ استراتيجيًا فادحًا. في ظل العولمة والتطور التكنولوجي، أصبحت هذه المهارات هي الأساس للتوظيف والتقدم المهني، خاصة خارج مصر.

التركيز المبالغ فيه على اللغة العربية وحدها، رغم أهميتها الثقافية، يحد من قدرة الطلاب على المنافسة عالميًا. فأسواق العمل اليوم تتطلب إتقان لغات أجنبية متعددة، مثل الإنجليزية والفرنسية، إلى جانب مهارات البرمجة والتكنولوجيا، وهي مجالات تحتاج إلى دعم مستمر في المناهج الدراسية الأساسية وليس تهميشها.

ثالثًا: أزمة تدريس الدين كمادة أساسية في المجموع

إدخال مادة الدين كمقرر أساسي ضمن مجموع الدرجات قد يترتب عليه أضرار اجتماعية جسيمة تتجاوز بكثير فائدته التربوية. فبدلًا من التركيز على القيم الإنسانية المشتركة، قد يؤدي هذا القرار إلى:

الاستقطاب الطائفي: قد يشعر بعض الطلاب من خلفيات دينية مختلفة بالتمييز إذا تم تقييم التفوق الدراسي في مادة مرتبطة بالعقيدة، مما قد يفتح بابًا للمقارنات غير الصحية بين المسلمين والمسيحيين.

تسييس التعليم الديني: يمكن أن يتحول التفوق في مادة الدين إلى سلاح للاستقطاب الأيديولوجي والديني، حيث قد تستخدم الجماعات المتطرفة هذا التفوق لتجنيد الشباب أو التأثير عليهم فكريًا.

غياب حرية الاعتقاد: المجتمع المصري ما زال بحاجة إلى مزيد من الانفتاح على حرية الاعتقاد والتعبير، وإدراج الدين كمادة أساسية قد يعيق هذا التقدم، بدلًا من أن يعزز قيم التسامح والتفاهم المشترك.

الحلول المقترحة:

تخفيف مدة المرحلة الثانوية: تقليل عدد سنوات الدراسة الثانوية أو إعادة توزيع المناهج لتقليل الضغط النفسي والمادي.

إدراج المواد التقنية واللغات ضمن المجموع: إعادة النظر في أهمية البرمجة واللغات الأجنبية كمقررات أساسية لدعم تأهيل الطلاب لسوق العمل العالمي.

تدريس الدين دون احتسابه في المجموع: يمكن تدريس مادة الدين بهدف نشر القيم الأخلاقية والإنسانية دون إدراجها كمادة أساسية في التقييم، مع التركيز على الجوانب المشتركة بين الأديان.

التعليم هو الأساس لبناء مجتمع متقدم، ولذا فإن إصلاح نظام البكالوريا ضرورة ملحة لضمان مستقبل أكثر عدالة وكفاءة لأبنائنا. يجب أن يركز التعليم على بناء العقول الناقدة والمبدعة، بعيدًا عن التمييز أو الضغط غير المبرر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

دعوة لوحدة وطنية حقيقية: زيارة ثانية للرئيس في عيد القيامة
منوعات

دعوة لوحدة وطنية حقيقية: زيارة ثانية للرئيس في عيد القيامة

كتب . نادى عاطف   بمناسبة عيد الميلاد المجيد، يتذكر المصريون التاريخ المشرق للبلاد في مجال التعايش الديني. حيث يظل الرئيس ناصر هو من أمر ببناء كاتدرائية العباسية، أكبر كنيسة في الشرق الأوسط، لكن الزيارة الوحيدة كانت خلال حفل الافتتاح مع الراحل البابا كيرلس السادس.   وفيما يخص السادات، فقد تجنب الاعتراف الرسمي بمشاركة المسيحيين […]

اقرأ المزيد
المناصب الحكومية.. حين يجلس الفشل على عرش المسؤولية  بقلم: الفقير نادى عاطف
منوعات

المناصب الحكومية.. حين يجلس الفشل على عرش المسؤولية بقلم: الفقير نادى عاطف

في مشهد متكرر ومؤلم، نجد المناصب الحكومية تُمنح لغير أهلها، لأشخاص يفتقرون للكفاءة والخبرة، بينما تُقصى العقول النابغة والكوادر المؤهلة. هذا ليس مجرد خطأ إداري عابر، بل هو داءٌ خطيرٌ ينخر في جسد المؤسسات، يعطل مسيرة التنمية، ويطفئ شعلة الأمل في قلوب الكفاءات الحقيقية. لماذا يُمنح الكرسي لغير مستحقيه؟ لعل الأسباب تتعدد، لكن القاسم المشترك […]

اقرأ المزيد
الخيبة والخيانات في زمن الفقر والفساد     بقلم الفقير. نادي عاطف
منوعات

الخيبة والخيانات في زمن الفقر والفساد بقلم الفقير. نادي عاطف

عندما يسقط ثلثا الشعب تحت خط الفقر، وتستمر طبقة فاسدة في ازدياد ثرواتها ونفوذها، فإن هذه الظاهرة لا تمثل مجرد حادث عارض أو سلسلة من الظروف غير المواتية، بل هي تجسيد للخيانة الكبرى التي نعيشها جميعًا. إن الخيانة في هذا السياق لا تقتصر على فعل فردي، بل هي منظومة متكاملة من التواطؤ والتجاهل المتعمد لمستقبل […]

اقرأ المزيد