تخدير العقول باسم المذاهب الدينية: بين الإيمان والاستغلال بقلم .نادى عاطف

تخدير العقول باسم المذاهب الدينية: بين الإيمان والاستغلال  بقلم .نادى عاطف

الدين منذ فجر التاريخ كان قوة مؤثرة في تشكيل المجتمعات، إذ قدم للإنسان إجابات عن الأسئلة الوجودية ومرجعًا أخلاقيًا لبناء العلاقات الإنسانية. ومع ذلك، فقد شهد التاريخ حالات من استغلال الدين وتحويله إلى أداة للتحكم والسيطرة، حيث يُستخدم كـ”مخدر للعقول”، يسلب الأفراد قدرتهم على التفكير النقدي، تمامًا كما تفعل المخدرات المادية.

المذاهب الدينية بين الإيمان والسلطة

المذاهب الدينية بحد ذاتها ليست شرًا، بل تمثل اجتهادات بشرية لفهم النصوص المقدسة، وهي جزء من التنوع الفكري والديني. غير أن المشكلة تبدأ عندما تتحول هذه المذاهب إلى أدوات للسيطرة على العقول، فتُستخدم في تبرير الظلم أو ترسيخ مصالح فئات محددة، بدلًا من أن تكون وسيلة للتقوى والعدالة.

السلطة أحيانًا تستغل الخطاب الديني للتحكم بالجماهير، عبر الترويج لنسخ متشددة أو انتقائية من الدين تمنع الناس من مساءلة الحكام أو مقاومة الظلم، بحجة الطاعة المطلقة.

الإعلام ودور العبادة كمنصات للتأثير

وسائل الإعلام الحديثة ودور العبادة من أهم المنصات المؤثرة على الوعي الجمعي. لكنها قد تتحول، في بعض الحالات، إلى أدوات للتخدير الفكري عندما يتم تسخيرها لنشر أفكار محدودة الأفق أو لتبرير سياسات معينة. فعندما يُستخدم الخطاب الديني لتبرير القمع أو إلغاء التفكير النقدي، يُسلب الأفراد القدرة على اتخاذ قرارات واعية.

على سبيل المثال، بعض البرامج الإعلامية تروج لخطابات دينية تحث على الطاعة المطلقة دون مساءلة، أو تركز على قضايا جدلية وثانوية بهدف تشتيت الانتباه عن المشكلات الحقيقية مثل الفساد وانعدام العدالة الاجتماعية.

أثر التخدير العقلي

تخدير العقول باسم الدين يؤدي إلى:

  1. إلغاء التفكير النقدي: يعتاد الأفراد قبول الأفكار دون تمحيص أو مساءلة.

  1. تعزيز الانقسام: يؤدي استغلال المذاهب إلى خلق صراعات طائفية ومذهبية.

  1. تعطيل الإصلاح: يثبط التغيير الاجتماعي ويمنع مواجهة الفساد والظلم.

نحو وعي ديني مستنير

الحل لا يكمن في رفض الدين أو المذاهب، بل في تعزيز الفهم الواعي والمنفتح للنصوص الدينية. ينبغي:

تشجيع التفكير النقدي: الإسلام نفسه يحث على التفكر والتدبر.

فصل الدين عن الاستغلال السياسي: يجب التفريق بين الإيمان الروحي والأجندات السياسية.

تعزيز التعليم الديني المعتدل: نشر خطاب ديني يعزز القيم الإنسانية المشتركة كالعدل والرحمة.

الدين في جوهره قوة للخير والسلام، لكنه يصبح أداة خطيرة عندما يُستخدم للتلاعب بالعقول. لا بد من إعادة الدين إلى دوره الأصيل كمنبع للأخلاق والعدالة، مع التأكيد على ضرورة الوعي والتفكير النقدي في فهم الخطاب الديني، حتى لا يتحول إلى أداة تخدير فكري تمنع المجتمعات من النهوض والإصلاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وجع الغياب وألم الحنين: رسالة إلى الحبيب الغائب .. بقلم الاستاذ حيدر الحسيني
منوعات

وجع الغياب وألم الحنين: رسالة إلى الحبيب الغائب .. بقلم الاستاذ حيدر الحسيني

تعبت من الدنيي بدونك، يا هوا الروح والحنين قلبي بكي بغيابك، والعمر صارله سنين يا شمعة بوسط الظلام، ضوّيتي أيامي وينك؟ مشتاقلك، وين غيابك ياما؟ بعيد عني والليل طويل، ما بينام قلبي بلاك كل نجمة بتشهد شوقي، وكل نسمة بتناديلك هناك بحكيلك بعتمة الليل، عن حبّي اللي كبر فيني بس لو تسمع نبض قلبي، كنت […]

اقرأ المزيد
تأملات في كتاب “العادات الذرية” بقلم د : خالد السلامي
منوعات

تأملات في كتاب “العادات الذرية” بقلم د : خالد السلامي

بقلم د : خالد السلامي 27-01-2025 كيف تُحدث التغييرات الصغيرة فرقًا كبيرًا؟ هل سبق أن شعرت بالإحباط لأنك لم تستطع تحقيق هدف كبير كنت تطمح إليه؟ ربما حاولت تغيير نمط حياتك فجأة، ولكن سرعان ما عدت إلى عاداتك القديمة. هنا يظهر كتاب “العادات الذرية” للمؤلف جيمس كلير كمنارة توجيه، ليخبرك أن النجاح ليس وليد القرارات […]

اقرأ المزيد
في حضن الصباح.. قصيدة عشق أبدية بقلم حيدر الحسيني
منوعات

في حضن الصباح.. قصيدة عشق أبدية بقلم حيدر الحسيني

في حضن الصباح تولد الأحلام حين يلامس الضوء وجه الأيام تغني العصافير للهوى نشيدًا وترقص الزهور على لحن الأنغام الصبح مرآة الحب العذري وقبلة شفافة من قلب القدرِ فيه تنساب الأحاسيس كالنهرِ وتشتعل في القلب نار السهرِ يا لحن الصباح في عينيكِ يا دفء الشمس في يديكِ كل شيء ينطق عشقًا لكِ وكأن الوجود يعيش […]

اقرأ المزيد