الظلم… حين يُطارد الإنسان حتى تُنهك روحه بقلم الفقير .نادى عاطف

الظلم… حين يُطارد الإنسان حتى تُنهك روحه  بقلم الفقير .نادى عاطف

الظلم ليس مجرد قرار ظالم، ولا فعلًا عابرًا يمكن تجاوزه بمرور الوقت، بل ندبة في الروح، وجرح عميق يترك أثرًا لا يندمل مهما حاولت الأيام مواساته. إن الشعور بالاضطهاد، حين يُسلب الإنسان حقه، وحين تُنتهك كرامته أمام من يحب، هو الألم الأكثر قسوة الذي يمكن أن يمر به إنسان. وهذه قصة المواطن نادي عاطف شاكر، الذي عاش الظلم بكل تفاصيله، ليس فقط في عمله، بل في حياته الأسرية والاجتماعية، حتى بات الجرح ممتدًا لسنوات طويلة، يثقل كاهله ويتركه يتساءل: هل بقي في العمر متسع لتحمل المزيد؟

 

بداية الحكاية: الظلم يطرق الباب

 

لم يكن نادي عاطف شاكر سوى موظفًا بسيطًا في مجلس مدينة ملوي بمحافظة المنيا، رجلًا قضى سنوات من عمره في خدمة مجتمعه ووظيفته بأمانة، مؤمنًا بأن العمل شرف، وأن العدالة درع يحمي الجميع. لكن هذا الإيمان اصطدم بجدار القهر عندما صدر قرار فصله من عمله في عام 2022، بقرار ظالم بلا مبرر قانوني أو أخلاقي، بتوقيع مسؤولين تناسوا دورهم الحقيقي في حماية حقوق الناس، واعتبروا السلطة أداة للقمع لا للمسؤولية.

 

القرار لم يكن مجرد فصل تعسفي، بل كان بداية لمسلسل طويل من الظلم، كأنهم قرروا معاقبته لأنه تجرأ على المطالبة بحقه.

 

الألم يمتد إلى الأسرة: الأطفال يدفعون الثمن

 

الظلم الحقيقي لا يكتفي بإيذاء الضحية فقط، بل يمد يده ليطال كل من حوله، وهذا ما حدث مع أطفال نادي. فقد تم اقتلاعهم من مدرستهم التي نشأوا فيها، حيث كان الأمان والضحكات والذكريات، ونُقلوا قسرًا إلى مدرسة أخرى دون مبرر سوى الانتقام.

 

تخيل قلب أب يرى أطفاله يبكون، يتساءلون ببراءتهم: لماذا نحن؟ ماذا فعلنا؟ وليس لديه إجابة سوى نظرة مليئة بالعجز. كيف لرجل أن يحتمل رؤية أطفاله يُعاقبون بسببه، دون أن يكون مذنبًا؟ كيف لجدران القهر أن تُطبق على الأسرة بأكملها بلا رحمة؟

 

محاولات يائسة للبحث عن العدالة

 

لكن نادي لم يصمت. حمل ألمه، وقرر أن يرفع صوته بحثًا عن الحق. طرق كل باب يمكن أن يقوده إلى إنصافه. توجه إلى مباحث البندر، ثم إلى محافظ المنيا، ثم إلى وكيل وزارة التربية والتعليم، ثم وزير التعليم نفسه، وصولًا إلى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، لكن الرد كان دائمًا واحدًا: تجاهل بارد… وصمت قاسٍ.

 

لم يترك مسؤولًا إلا واستغاث به، ولم يترك جهة إلا وأرسل لها استغاثة بعلم الوصول، لكن صرخاته كانت كمن يصرخ في وادٍ مهجور، لا حياة لمن تنادي. بل لم يتوقف الأمر عند التجاهل، بل أصبح هناك نوع من الانتقام الواضح، حين تم تلفيق التهم له وسجنه ظلمًا، وكأنهم أرادوا أن يعاقبوه لأنه تجرأ على كشف حقيقتهم.

 

أليس هذا هو الوجه الحقيقي للظلم؟

أن يُصبح الإنسان مجرمًا لمجرد أنه طالب بحقه؟ أن تتحول الشكوى إلى تهمة، والبحث عن العدل إلى جريمة؟

 

12 عامًا من القهر… لا تنتهي

 

وبعد سنوات طويلة من الألم، خرج نادي من السجن، لكن جروحه النفسية والجسدية كانت أعمق مما يمكن وصفه. تقدم بدعوى قضائية واستمر في معركته، حتى صدر حكم قضائي نهائي في عام 2014 بإعادته إلى عمله، بعد 12 عامًا كاملة من الظلم والقهر.

 

لكن حتى هذا الحكم القضائي لم يكن كافيًا لرد اعتباره. فبدلًا من إعادته لموقع عمله الأصلي في مجلس مدينة ملوي، تم نفيه مجددًا إلى قرية الروضة، بعيدًا عن محل إقامته الأصلي، في استمرار واضح للتعنت والاضطهاد.

 

كلما طلب العودة إلى مكان عمله، كان الرد يأتي: “لا توجد أماكن لك هنا.” وكأنهم يصرّون على إذلاله، على تذكيره بأنه حتى بعد الانتصار القانوني، ما زالوا يملكون القدرة على سحق روحه.

 

العودة… بجرح أكبر

 

وفي يناير 2025، بعد 12 عامًا أخرى من الانتظار، وبعد أن بلغ من العمر الستين، عاد أخيرًا إلى مجلس مدينة ملوي. لكن ما استقبله لم يكن إنصافًا أو احترامًا، بل استقبالًا مليئًا بالسخرية والتهكم. كلمات قاسية مثل سهام مسمومة:

“من أتى بك إلى هنا؟ عُد إلى القرية التي نُفيت إليها!”

 

وكأنهم يقولون له: حتى عودتك، نحن من يتحكم بها، ونحن من نقرر مصيرك.

 

الوجع لا يُمحى… لكن الكرامة لا تُكسر

 

اليوم، بعد كل هذه السنوات، يقف نادي عاطف شاكر على أعتاب الستين، مثقلًا بأمراض الجسد والروح، بعد أن ترك فيه الظلم آثارًا لا تُمحى. ليس مجرد ألم جسدي، بل جرح نفسي عميق، إحساس مرير بأن العمر ضاع بين جدران القهر.

 

لكنه رغم كل هذا، لم ينكسر.

لأن الانكسار الحقيقي ليس في الجسد الذي أرهقته السنين، بل في الروح التي تستسلم. ونادي لم يستسلم. قاوم 24 عامًا، صرخ في وجه القهر، ووقف شامخًا رغم الألم، ليُثبت أن الكرامة لا تُشترى، وأن الحق لا يُسقط بالتقادم.

 

رسالة لكل من يقرأ هذه القصة:

 

قد تكون هذه القصة حكاية رجل واحد، لكنها في جوهرها صوت كل إنسان تعرض للظلم في صمت. كل من شعر بأن العالم أدار له ظهره.

 

الظلم لا يفرق بين الناس، لكنه يكشف معادنهم. والسكوت على الظلم مشاركة فيه.

لذا، دع هذه الحكاية تكون تذكيرًا للجميع بأن الحق لا يُمنح، بل يُنتزع. وأن صوتك، مهما كان ضعيفًا، قادر على أن يُحدث تغييرًا… يومًا ما.

 

فالعدالة، وإن تأخرت، لا تموت أبدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وفد إعلامى خليجي في ضيافة المغرب
أخبار فنية منوعات

وفد إعلامى خليجي في ضيافة المغرب

الرياض : زبيدة حمادنة نظمت وزارة السياحة المغربية جولة تعريفيه لوفد من الإعلاميين من مجلس التعاون لدول الخليج العربية فور وصول الوفد الإعلامي إلى فندق فورسيزونز الدار البيضاء المغرب استقبلنا وفد من وزارة السياحة المغربية ومن فندق فورسيزونز الدار البيضاء ، الذي يعتبر من الفنادق الكبيره في المغرب يقع فندق في شارع لا كورنيش، مركز […]

اقرأ المزيد
علاء سيد.. نموذج مشرف من ملوي يسطع بنجاحه وكفاحه  كتب . نادي عاطف
منوعات

علاء سيد.. نموذج مشرف من ملوي يسطع بنجاحه وكفاحه كتب . نادي عاطف

يعد الشاب علاء سيد من أبرز النماذج المشرفة في مدينة ملوي بمحافظة المنيا، حيث أثبت أن النجاح لا يأتي صدفة، بل هو ثمرة كفاح طويل وعمل دؤوب، مدفوعًا بالعزم والتحدي.   استطاع علاء أن يصل إلى مكانة متميزة في مجتمعه، مستندًا إلى الصدق، والإخلاص، وحب الناس له، بالإضافة إلى حضوره القوي وقدرته الفريدة على التواصل […]

اقرأ المزيد
منوعات

العودة المرة بعد سنوات من الظلم بقلم الفقير: نادي عاطف

بعد 24 في صباح شتوي قارس من يناير 2025، وقف نادي عاطف شاكر أمام بوابة مجلس مدينة ملوي، يحدق في المبنى ذاته الذي شهد على فصول معاناته الطويلة. كان الهواء البارد يلفح وجهه، لكن مرارة الذكريات كانت أشد قسوة، فقد كانت تلك الجدران شاهدة على سنوات من الألم والخذلان، وعلى ظلم لم يُمحَ أثره بعد. […]

اقرأ المزيد